المغرب يتعرض لهجمة إعلامية شرسة وممنهجة
المغرب يتعرض لهجمة إعلامية شرسة وممنهجة منذ أن أعلن الرئيس ترامب عن اعترافه بمغربية الصحراء. بعد المقالات التي نشرها الأستاذ في جامعة سان فرانسيسكو (Stephen Zunes)- المعروف بعدائه للمغرب ودفاعه المستميت عن البوليساريو وباستعماله لكل أنواع التضليل والدعاية والكذب من أجل تحقيق أجندته- قام كل من جون بولتون وجيمس بيكر بنشر مقالات رأي في مجلة فورين بوليسي والواشنطن بوست على التوالي، في الوقت الذي أدلى المبعوث الأممي السابق، كريستوفر روس، بتصريحات لبعض وسائل الإعلام. كما كان منتظر منهم وبالنظر لتاريخهم ولقناعاتهم المرتبطة بمصالح وعلاقات شخصية، فإن القاسم المشترك لخرجاتهم الإعلامية هو محاولة إقناع الرئيس الجديد جو بايدن إلغاء القرار الذي اتخذه ترامب.
ومن أجل إقناعه، لجأت هذه الشخصيات لكل الطرق الملتوية، مستعملةً السردية ونقاط الحديث التي تستعملها الجزائر وكل الدول الداعمة، وقدمت النزاع بشكل مطلق فيه ظالم ومظلوم بعيد عن الواقع. كما لم تأخذ في عين الاعتبار التطورات التي شهدها النزاع خلال العقدين الأخيرين ولا الأسباب الكامنة وراء استحالة تنظيم الاستفتاء.
فإذا كانت مقالاتهم غير مبنية على واقع وحق، فذلك لا يهم وليس هو الهدف الذي يسعون إلى تحقيقه، ذلك أن ما يهم في الحرب الإعلامية هو من يضع السردية ويسيطر عليها بشكل يمكنه من التأثير على صناع القرار. ومن خلال هذه الهجمة التي يتعرض لها المغرب، فإن الأصوات الداعمة للبوليساريو أصبحت تسيطر على السردية، خاصة وأنها شخصيات مشهورة وتستغل شهرتها للقيام بالدعاية لصالح البوليساريو والجزائر.
وفي غضون ذلك، لا يبدو أن هناك أية استراتيجية إعلامية للوقوف ضد هذا المد وهذا الصبيب السلبي من المقالات التي تضر بمصالح المغرب بهدف إبطال مفعولها. لم أقرأ لحد أي مقال في أي من الصحف الأمريكية المشهورة يعطي صورة أو تصور آخر عن الموضوع أو يدافع عن أهلية قرار ترامب في إنهاء النزاع حول الصراء ووضع حد لحالة الجمود التي يعاني منها بسبب تعنت الجزائر والبوليساريو وفشل الأمم المتحدة في تبني مقاربة واقعية قابلة للتطبيق، الفشل الذي يرجع بالأساس إلى تضارب مصالح الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن وغياب أي رغبة في تنفيذ فعلي للقرارات التي اعتمدها مجلس الأمن منذ عام 2007، والتي تدعو أطراف النزاع إلى التوصل لحل سياسي مبني مقبول من الطرفين.
أخشى أن تستمر هذه الحملة الإعلامية الشرسة ضد المغرب في الأيام والأسابيع القادمة وأن تؤثر على الإدارة القادمة بشكل يجعلها تفكر بشكل جدي في إعادة النظر في قرار ترامب. فالجزائر والدول والجماعات الداعمة لها لم يعد لها أي شيء تخسره، ومنها جماعات الضغط، التي تعمل للجزائر بشكل رسمي وغير رسمي، والتي تقتات من هذا النزاع وتحصل على مئات الألاف الدولار سنويا من أجل الإبقاء على هذا الملف لأطول أمد. فليس من صالح هذه الجماعات أن تحسم الولايات المتحدة موقفها من النزاع لصالح المغرب، لأن ذلك سيعني توقف إحدى مصادر دخلها القارة. وبالتالي، فإن الحملة التي نشهدها كانت مرتقبة. غير أن ما لم يكن مرتقب هو غياب حملة مغربية مضادة في نفس وسائل الإعلام.
لا أدري إن كانت السلطات المغربية بصدد عقد اتصالات خلف الكواليس مع المقربين من الرئيس بايدن أو مع بعض الشخصيات المؤثرة داخل الحزب الديمقراطي لإقناع الإدارة الأمريكية بالحفاظ على القرار الذي اعتمده ترامب. وإن كانت لدى قناعة شخصية مبنية على تحليل وقراءة موضوعية للمشهد السياسي الأمريكي أنه سيكون من الصعب على الرئيس بايدن الإقدام على قرار من شأنه أن يؤثر بشكل غير مسبوق على العلاقات بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنه علينا ألا نستهين بقوة اللوبي الموالي للجزائر وقدرته على التأثير لا لشيء سوى من أجل الحفاظ على مصالحه. كما على المغرب ألا يستمر في ترك الساحة الإعلامية فارغة لخصومه لفرض السردية التي يريدونها بغية التأثير على الرأي العام ومؤسسات المجتمع المدني.
إوبالتالي، على الحكومة المغربية التحرك بسرعة والتواصل مع الجهات المقربة منها في الولايات المتحدة من أجل مساعدتها على الوقوف ضد هذه الأصوات المؤثرة التي تسعى إلى التأثير على الإدارة الأمريكية الجديدة. إن الركون إلى الوراء والقول بأن المغرب ربح المعركة بشكل نهائي في واشنطن ليس هو الحل، وقد يؤدي إلى نتائج معكوسة قد تؤثر على موقفه وتنسف الزخم الدبلوماسي الذي حققه خلال السنوات الأربعة الماضية.
إن تنظيم تجمعات ومسيرات في المغرب أو في واشنطن للتعبير عن فرحنا وابتهاجنا من قرار ترامب لن يساعد على الحفاظ على هذا المكتسب مع الرئيس بايدن. ما سيساعد المغرب هو إطلاق حملة إعلامية مضادة للحملة الإعلامية التي أطلقتها الأبواق الموالية للنظام الجزائري. فإذا هناك إي وقت يحتاج فيه المغرب للقيام بذلك وتعبئة كل الأطراف الداعمة له في واشنطن، فإن هذا الوقت قد حان.