الكون …الأسئة و الاجوبة الممكنة ؟
اعتقد أرسطو أن الأرض ثابتة، وهي مركز الكون وتدور حولها الأجرام السماوية السبعة المعروفة في زمنه، وهي الشمس، القمر، عطارد، الزهرة، المريخ، المشتري وزحل، إذ تشكل النجوم البعيدة سقف حدود الكون الساكن والأزلي الذي ليست له بداية ولانهاية.
ويفسر البعض أن حركات الأجرام هاته كانت المنطلق نحو تبني مفهوم “سبع سماوات” الذي ظهر في الحضارات العريقة بين الرافدين والهندوسية والأديان التوحيدية.
وأدى توجيه العالم غاليليو، سنة 1610، منظاره نحو كوكب المشتري، حيث اكتشف، ولأول مرة، أقمارا تدور حول كوكب آخر من غير الأرض، إلى إزالة كوكب الأرض عن عرش موقعه المركزي في الكون، ليتم تقديم دعم كبير لنظرية كوبرنيك التي ترى أن الشمس ثابتة وتمثل مركز الكون والكواكب تدور حولها.
كان يسود اعتقاد، قبل مئة سنة فقط، بأن مجرة درب التبانة، هي الوحيدة التي تشكل الكون والشمس في مركزها، لكن سرعان ما اتضح أن الشمس مع كواكبها تدور حول مركز المجرة وتستغرق حوالي 225 مليون سنة لإكمال دورة واحدة، وهي المعروفة بالسنة المجرية، مما أطاح بنظرية مركزية الشمس في المجرة وأصبحت مجرتنا هي الكون.
وبرهن العالم الفلكي إدوين هابل، خلال عشرينيات القرن الماضي، أن الكون مليء بالمجرات وأن المسافات بينها تتزايد باستمرار، وكلما كانت المجرة أبعد، كانت سرعتها أكبر، وبالتالي فإن الكون يتوسع ويتمدد.
ومادامت المجرات في تباعد مستمر، فإن كل ما نرصده اليوم من مجرات ونجوم وكواكب كان عند ولادة الكون، قبل 13.7 مليار سنة، منحصرا في نقطة حجمها أقل من الذرة، ما يسمى بالانفجار العظيم.
ولم يعد الكون أزليا وثابتا، بل له بداية، يتغير وليس له مركز، ومجرتنا فقدت، بعد الأرض والشمس، مركزيتها في الكون.
وللتذكير فإن المجرات أو “جزر الكون”، حسب الفيلسوف إيمانويل كانط، هي المكونات الأساسية للكون، تسبح في محيط شاسع من الفراغ، ويقدر عددها بمئات المليارات، وكل مجرة تحتوي على مئات المليارات من النجوم مثل الشمس.
واستطاع الفلكيون رصد ضوء، في جميع الاتجاهات من الأرض، المنطلق بعد فترة قصيرة من الانفجار العظيم. وبسبب سرعة الضوء المحدودة (300 ألف كلم/ثانية)، استغرق 13,7 مليار سنة ليصل الى الأرض، مما يجعلنا نعتقد بأن نصف قطر الكون هو 13.7 مليار سنة ضوئية (سنة ضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء خلال سنة واحدة، وتبلغ نحو 10 آلاف مليار كلم).
بالمقابل، تشير الحسابات إلى أن النقطة التي انطلق منها الضوء، بعد الانفجار العظيم، تقع حاليا على بعد نحو 46 مليار سنة ضوئية من الأرض نتيجة توسع الكون، بمعنى أن الأرض محيطة بدائرة (خيالية) قطرها يصل إلى 92 مليار سنة ضوئية، ويطلق على هذه الدائرة أو الفقاعة، التي يزداد حجمها باستمرار والأرض في مركزها، “الكون المنظور” (أو المرصود).
ويعتقد العلماء بأن كوننا “المنظور” ليس الكون الوحيد، بل هناك أكوان أخرى، قد تكون لا متناهية، تحكمها قوانين فيزيائية مختلفة، يطلق عليها “نظرية الأكوان المتعددة”.
كل هذا يدل على أن الكون لا يزال يشكل لغزا كبيرا، وكلما حاولنا سبر أغواره، إلا وطرحت أسئلة جديدة وعميقة، من ضمنها كيف انبثق الكون وما هو مصيره؟، ما هو سبب توسعه؟، ماذا يوجد “خارج” الكون المنظور؟، هل الكون المنظور جزء ضئيل من كون شامل ومطلق لا نهائي؟، وهل توجد أكوان أخرى؟ بالتأكيد لا نستطيع، حاليا، الإجابة عن هذه الأسئلة.
بقلم الأستاذ حماد عاشور