خاوة خاوة حتى الوحدة والديمقراطية
بعد أكثر من نصف قرن من استقلال الجزائر، مازال المغرب أكبر فاعل وأول مؤثر في الشأن الداخلي الجزائري رغم ما مر بين البلدين من حرب وقطيعة وحرب بالوكالة وإغلاق للحدود…
لمن لا تسعفه ذاكرته أو قراءاته يكفي متابعة ما يجري خلال السنوات الثلاث الماضية، أي منذ انطلاق الحراك الجزائري. منذ اللحظة الأولى اتجهت أنظار الماسكين بخناق الجزائر نحو الجار الغربي، والمملكة تعي جيدا دورها وقدرتها على التأثير في الاوضاع الداخلية للجزائر ودليل ذلك ما فوجئ به البعض من ردة فعل حاسمة ضد صلاح الدين مزوار حين قام بتصريح يمكن أن يفهم منه أنه تعبير عن الموقف الرسمي للمغرب بحكم منصبه السابق كوزير للخارجية… وهو الاعتبار نفسه الذي يجعل خرجة عمر هلال الأخيرة حول منطقة القبايل بمثابة انغماس مفاجئ وغير مبرر في المستنقع السياسي الذي يتخبط فيه الماسكون بخناق الجزائر.
الخطاب الملكي الخير بمناسبة ذكرى عيد العرش كان بمثابة تصحيح واضح وصريح لهذا الانحراف وإعادة لبوصلة السلوك المغربي تجاه جار “تالف” سياسيا ويبحث عن “السبة” لتصدير تلفته، ولا يمكن تفسير أو قراءة كل ما يجري داخل الجزائر، حاليا أكثر من أي وقت مضى، بعيدا عن الدور المغربي، الحقيقي منه والمتخيل.
خرجة الرئيس عبد المجيد تبون الإعلامية، إلى جانب احتمال وارد بقوة لقيام أحد أطراف النظام الجزائري بإشعال أو تأجيج حرائق غابات القبايل والسعي الاعمى نحو تسخين جبهة الصحراء… كلها تفاعلات تستحضر المغرب كفاعل استعصى على مختطفي الثورة الجزائرية تطويعه أو كسره منذ أكثر من نصف قرن.
يحلو لبعض الكاسلى أن يسايروا خطاب هؤلاء المختطفين المثقل بالنقد الساقط تجاه النظام السياسي المغربي، المخزن المروكي، وهنا لابد من تمييز خفيف بين واقعنا السياسي الداخلي الذي لا يمكن لعاقل أن ينكر تعثر تحوله الديمقراطي ومعاناتنا الفعلية كمغاربة من استمرار الطابع الاستبدادي لمنظومة الحكم، وهذا أمر له تفسيرات كثيرة يطول شرحها والمجادلة بشأنها، و(التمييز) بين الذرائع التي يقدمها النظام الجزائري لشعبه لتبرير عدائه للمغرب.
شنقريحة ومن معه يقدمون المغرب كخطر داهم على بلادهم، وكقوة استعمارية توسعية ترغب في الاستحواذ على أراضي جيرانها وإخضاعهم لسيطرتها وإغراقهم في الزطلة والفقر… وهي كلها خزعبلات لم يعد أصغر طفل جزائري يصدقها، وهو ما يفسر استمرار الحكام الجزائرين في رفضهم فتح الحدود، وكيف رفع الخطاب الملكي الأخير هذا التحدي في وجوههم.
لاعتبارات تاريخية وثقافية كثيرة سيكون المغرب بشكل تلقائي وطبيعي صاحب نفوذ وتأثير خاصين في محيطه الإقليمي فور تطبيع الاوضاع وفتح الحدود، فهل ذنب المغاربة أنهم حافظوا على نظام سياسي عريق؟ هل جريمتهم أنهم يواصلون الاتفاق حول صيغة خاصة لحماية وجودهم وتماسكهم، أي تحديدا وبدون لف ولا دوران المؤسسة الملكية؟
في سياق سياسي طبيعي سوف يكون هذا الاختلاف التاريخي بين البلدين عنصر تكامل وربما فرصة لتبادل المصالح وتبادل الأدوار في مواجهة الخصوم والقوى الدوليين والاقليميين… أما فزاعة التوسع والهيمنة، فلا يمكننا حتى مسايرة من يصر على التلويح بها ونحن نرى بالحجة والدليل كيف ساند هذا النظام المغربي جيراننا في الجزائر منذ أول طلقة وجهها الاستعمار الى صدور الجزائريين، وكيف دفع ودفعنا معه بكل اقتناع ورضا وايمان بأننا على صواب، ثمن هذا الدعم والمساندة.
لهذا سيبقى المغرب حاملا لهذه الرسالة الوحدوية، بصرف النظر عن مستوى تقدم او تقهقر مسارنا الديمقراطي، لأنها مسألة وجود ووعي حضاري…
خاوة خاوة حتى الوحدة والديمقراطية
#يونس_مسكين