18 دجنبر ..اليوم العالمي للغة العربية
اليوم 18 دجنبر هو اليوم العالمي للغة العربية؛ هذه اللغة الجميلة التي تحتفظ بأغنى تراث في التاريخ الإنساني؛ ونزل بها الوحي الإلهي؛ ولكنها اللغة المهملة من ذويها. وكنت أقرأ قبل أيام مقالا قديما للمؤرخ الكبير الدكتور حسين مؤنس رحمه الله قال فيه إن اللغة الإسبانية تمثل فيها اللغة العربية 10 في المائة؛ ولكن تلك النسبة بدأت تتقلص بسبب زحف الإنجليزية وتراجع العربية عالميا بسبب عدم مواكبتها للعصر؛ وهذا راجع بالطبع إلى تخلفنا العلمي والثقافي الذي يؤثر على لغتنا؛ فمن يصنع الكومبيوتر هو الذي يسميه؛ ولا يوجد شخص يضع مولودا ويعطيه للجيران يسموه؛ أو يسمونه؛ أو ليسموه.
ومن إهمال العرب للعربية أن الاهتمام القاموسي بها ضعيف جدا؛ فالقواميس التي وضعت حتى اليوم هي قواميس وضعها مسيحيون عرب؛ لبنانيون بوجه خاص؛ ولا يوجد لحد علمي قاموس جيد وضعه العرب المسلمون سوى ذاك الذي وضعه أربعة لغويين بينهم أحمد حسن الزيات في الستينات على ما أعتقد؛ وهو ما أرجع إليه. وحتى اليوم لا يزال لسان العرب لابن منظور هو الأهم؛ ولكنه ضخم في ثماني مجلدات صعب الاستعمال ولم يتم تحديثه؛ بينما نرى مثلا أن قواميس اللغة الفرنسية أو الإنجليزية بالمئات ويتم تحديثها كل عام؛ مثل قاموس روبير أو لاروس أو أكسفورد.
وقد جعل هذا اللغة العربية لغة تابعة؛ لأنها قائمة اليوم على التعريب والترجمة لا التوليد والاشتقاق؛ وهو ما يؤثر على البناء الفكري بالضرورة؛ لأنه لا يوجد اتفاق على كلمات مشتركة وكل شخص يستعمل مفردات تناسبه حتى أصبحت لدينا فوضى المصطلحات؛ ثم نتج عن ذلك انتشار الغموض بحيث ضاعت العربية السليمة في مجال البحوث؛ مما أفقد العربية لذتها التي كانت لها والتي نجدها عند رواد الفكر والثقافة في العصر الحديث؛ وجعل الناس تنفر منها.
رغم ما تعيشه اللغة العربية من تراجع على مستوى الإنتاج العالمي بسبب تأخر أهلها إلا أنها اللغة الوحيدة في العالم التي ظلت باقية وتتمدد. جميع اللغات البشرية عبر التاريخ كانت تنمو ثم تضمحل وأحيانا تموت نهائيا؛ وقد ماتت مئات اللغات في التاريخ وكانت لغات حية في أزمنة معينة؛ لأن الحضارات التي كانت تتحدتها سادت ثم بادت؛ ولكن العربية بقيت حية منذ أن ظهرت في التاريخ لأول مرة؛ وكان يمكن أن تموت هي أيضا لولا القرآن الذي كتب لها عمرا طويلا سوف يستمر معها إلى آخر أيام الناس.
والسبب في ذلك أن اللغات ترتبط بالحضارات وتدور حولها؛ وهكذا كان وضع اليونانية واللاتينية مثلا؛ وقد اندثرت هذه الأخيرة بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية؛ وتفرقت إلى عشرات اللغات بعد تفكك أوروبا المسيحية وظهرت لغات قومية صارت غريبة؛ ولو قام شاعر مثل فيرجيل من قبره فلن يعرفه أحد. بل إن اللغات الأوروبية القومية نفسها تغيرت كثيرا؛ حتى أن لا أحد اليوم سيفهم كاتبا مثل رابليه عاش في القرن السادس عشر؛ ولذلك تعاد كتابة مؤلفات هؤلاء في ثوب جديد ليقرأهم الناس؛ حتى إن مسرحيا مثل راسين لن يستطيع قراءة مسرحياته اليوم؛ بينما لا يزال ما قاله امرؤ القيس حرفيا لفاطمة في معلقته مفهوما لنا اليوم؛ ولو نهض طرفة بن العبد من موته فيمكنه أن يلج أي حانة في الرباط ويطلب كأسا وكأنه يطلبه من خمارة في الجاهلية.
ذلك أن العربية لا تدور حول حضارة بل حول كتاب؛ حتى وقد سقطت الحضارة الإسلامية فإن العربية لا زالت تتسع بسبب القرآن؛ لذلك فإن اللغة العربية لا تدين للحضارة الإسلامية بل تدين للقرآن بدرجة أولى.
بقلم إدريس الكنبوري