هل تنجح وصفة القادم من برج مائل صامد في إنقاذ مسلسل سلام نزاع مائل من الانهيار؟
هل تنجح وصفة القادم من برج مائل صامد في إنقاذ مسلسل سلام نزاع مائل من الانهيار؟.
كنت من الاوائل ممن قالوا عقب أزمة الكركرات ان حصول مواجهة عسكرية بين الجزائر و المغرب باتت وشيكة. و منذ أن صعدت الجزائر من لهجتها و إجراءاتها “العقابية” تجاه المغرب اعتقد الكثيرون بمثل اعتقادي، على أساس ان قطع العلاقات و ما تبعها من إجراءات هو إعلان حرب تلوح في الافق.
بالطبع ما زلت عند قناعتي ان الامر لم يبدأ مع تصريح هلال حول منطقة القبائل، بل كان تأمين الكركرات هو القشة التي قسمت ظهر البعير جزائريا. فالخطوة المغربية، ستحرر المغرب من الحصار الذي كانت تفرضه عليه إتفاقية وقف إطلاق الذي يعتبر ما وراء الكركرات منطقة عازلة تشرف عليها و تراقبها قوات بعثة المينورسو الدولية.
و الجزائر تعلم ان تامين الكركرات لن يحرر المغرب من الحصار فحسب، بل سيحرر بقية دول العالم في تعاملها معه، التي كانت تراه من قبل محاصرا بالجزائر شرقا و المحيط غربا و بالمنطقة العازلة جنوبا.
و بعد ان صارت حدود المغرب متصلة إفريقيا مع أقرب بلد اليه (موريتانيا) ستزداد سرعة ابتعاده عن الغريم الجزائري و تكبر الحاجة إليه دوليا بعد ان أصبح نقطة ربط بين ثلاث قارات و ببنى تحتية مؤهلة لتحدث نقلة نوعية على مستوى التبادلات التجارية الدولية (مواني و طريق سيار شمال جنوب).
فضلا عن ذلك فالخطوة المغربية ضيقت مساحة نشاط و مناورة البوليساريو الى أبعد الحدود، و دفعتها نحو الشمال. حيث بقيت للمغرب نقلة واحدة يمد فيها الحزام الدفاعي من جهة قطاع المحبس ليصله بالمعبر الحدودي الموريتاني قرب نقطة 75 من الحدود الجزائرية كما حصل في الكركرات، و يقطع الطريق بين الجزائر حيث تتواجد قواعد الجبهة و كافة اقليم الصحراء، و لا يبقى امام البوليساريو من سبيل سوى الاندحار نحو العمق الجزائري في تيندوف فتصبح مشكلة جزائرية. و لا يحول بينه و بين القيام بهذه الخطوة غير ان يتلقى ضربة موجعة من البوليساريو تخل بالاستقرار في المغرب.
هذا الوضع الميداني المعقد الذي خلقه التقدم المغربي في الكركرات، جعل المنطقة على شفا حرب اقليمية، المبادر اليها لن يكون المغرب الذي لا يخدمه التوتر البتة، فهم المغرب هو المحافظة على المكاسب التي تحصل عليها و تنويع و توسيع شراكاته.
لذلك الكرة في المرمى الجزائري منذ اندلاع ازمة الكركرات قبل سنة، و كل القادم سيبنى على ردة الفعل الجزائرية على التقدم المغربي الذي لا يخدم استراتيجيتها في المنطقة. فقبولها بما حققه المغرب معناه تخليها عن البوليساريو التي ستصبح عالة عليها بدلا من وسيلة و أداة لعرقلة و فرملة او حصار المغرب كما كان يراد لها. و رفضها يحتم عليها المواجهة المباشرة مع المغرب.
الجزائر الآن هي من بيدها قرار استقرار او توتر المنطقة. و قد عملت جاهدة منذ اندلاع ازمة الكركرات على تسويق انزعاجها من التقدم المغربي و انه سيكون سبب في عدم استقرار المنطقة برمتها. و بذلت قصارى جهدها لعلها تجد من يكفيها شر المواجهة المباشرة معه. و اوعزت الى البوليساريو لتعلن التنصل من وقف اطلاق النار لتعزيز إدعاءاتها. لكن اجتماع مجلس الامن الاخير اثبت فشل الجزائر الذريع في تسويق مخاوفها دوليا. و لم يبق أمامها غير المجازفة بأحد الامرين: التخلي عن البوليساريو او تسليحها و دفعها للانتحار أمام أسوار الجدار الدفاعي المغربي لتخلق لنفسها مبررا للتدخل المباشر في النزاع. ما سيضعها في مواجهة مع المجتمع الدولي الذي لا يخفى عليها دعمه و انحيازه للمغرب كما ورد على لسان خارجيتها في ردها على قرار مجلس الامن الاخير.
ما ظهر حتى الساعة من إشارات عن ردة فعل البوليساريو و الجزائر يوحي بأنهم ما زالوا يعيشون صدمة ما بعد الكركرات، و انهم تسرعوا في استفزاز المغرب في وقت لم يكونوا قريبين من الجاهزية لمجاراة تقدمه او التصدي له. و انهم ما زالوا مترددين في اتخاذ قرار الرفع من حدة المواجهة رغم ان الزمن ليس في صالحهم. لذلك كانت الموافقة على تعيين ديميستورا مبعوثا جديدا ضرورية من اجل التقاط الانفاس و إعادة ترتيب الاولويات.
الوافد الجديد على الوساطة الدولية سيأتي على خلاف سابقيه في ظرفية دقيقة. و من المستبعد ان يحرز اي تقدم في العملية السياسية، نتيجة لاستماتة جميع اطراف النزاع عند مواقفهم المعلنة. و ضيق هامش المناورة لديهم. فالتراجع مؤلم و التقدم مكلف. إلا أنه سينجح بكل تأكيد في تأخير المواجهة بين الجزائر و المغرب، في انتظار ان تحصل مفاجئات على مستوى المنطقة او تغير في التحالفات الدولية يوازن معادلة النزاع يعيدنا الى وضعية اللاحرب و اللا سلم التي كنا نعيش في العقود الثلاثة الاخيرة.
و من المرجح ان جميع الاطراف ستتعاطى مع المبعوث الجديد و ان بدرجات حفاوة مختلفة، كل حسب غايته و اجندته. فالمغرب يريد من انخراطه في العملية السياسية ترسيم و تحصين مكاسبه المحصلة إن بالمباركة الدولية الصريحة او على الاقل الصمت عنها و تركها للتقادم مع الزمن و عدم إثارتها كعقبة في وجه التسوية كما يطالب خصومه. إضافة الى أن استعداده للانخراط في العملية السياسية يحرج خصومه الذين يشترطون عودته الى حدود ما قبل 13 نوفمبر للجلوس معه على طاولة مفاوضات المائدة المستديرة التي دعا لها مجلس الامن.
و الجزائر و البوليساريو سيتعاطون مع ديميستورا لغايتين أساسيين:
1- تخفيف ضغط الداخل الذي أحس بالهزيمة و الضعف امام التفوق المغربي و بات يطالب بمواقف ملموسة تفضي الى نتائج محسوسة على الارض حتى و لو كانت متهورة.
2- ربح الوقت تحت المظلة الاممية دون الاعلان عن وقف لاطلاق نار جديد. على ان يستمر ما يسمونه حربا على وتيرته الحالية (مؤنس داخليا، و غير ضار مغربيا) في انتظار جاهزية عسكرية يمكنها ان تعادل كفة التفوق العسكري المغربي، او تحدث الديبلوماسية الجزائرية اختراقا على المستوى الدولي تعيد به فرض وجهة نظرها في النزاع على مستوى مجلس الامن.
#مصطفى_سلمى