سفينة وطني ،قد تبحر غداً ؟
هنا يجب أن نسلم بالمثل شعبي”من الخيمة خارج مايل” الذي ينطبق تماماً على حالة الحكومة المنبثقة من إنتخابات 8 شتنبر! .
الإنتخابات التي منحت و بقوة خارقة، الصدارة لحزب التجمع الوطني الأحرار. و التي بناء على نتائجها، وبمقتضى الفصل 47 من الدستور. عين جلالة الملك،السيد عزيز أخنوش .رئيساً للحكومة .وبالتالي آلت إليه صلاحية تكوين ائتلاف من ثلاثة أحزاب لتشكيل للحكومة الحالية .
الحكومة و بكل أحزاب إئتلافها أبانت عن فقر مدقع في الأطر، الشيء الذي دفعهم لإكتراء خدمات كفاءات من خارج هياكل أحزابها، كفاءات لم يسبق لها أن إهتمت بالسياسة ولا إشتغلت بالعمل السياسي .و من أجل إضفاء الطابع السياسي على وجوه الوافدين الجدد و كالعادة. تم طلاؤهم (من طلاء) بسرعة البرق، بألوان أحزاب الائتلاف . و “طز “في كل مناضلي الأحزاب التي أفنت عمرها منذ كانوا “براهيش” في النضال .
لكن يبقى النشاز هو السمة التي تطبع مكونات هذه الحكومة .سواء في أعضائها و تكوينهم الأكاديمي. أو أولائك المتسيسين الذين يمتطون جواد النضال بالشفوي المحض، في المناسبات فقط .و الذين يسميهم الشارع ،ب” لَفْهامَطُورْ”.
أصحاب الشواهد و التكوين العالي، من أوروبا و أمريكا .صحيح لهم العلم. لكن بنفس المستوى، تغيب عنهم الخلفية السياسية المنبثق عنها برامج حزبهم ، أو هكذا يسمونها ! و تغيب عنهم “الجبهة” والجرأة والقدرة على السجال في مواجهة الأسئلة” البايخة ” في العديد من المرات من طرف البرلمانيين أو من بعض رجال ونساء الإعلام . و من خلفهم كل مزايدات النقابات .ناهيك عن عدم خبرتهم التسييرية للموارد البشرية بالوظيفة العمومية .
المكان الطبيعي لهؤلاء ، وبناء على خزان المعارف التي تلقوها في المدارس والجامعات ،هو مساعدة الوزراء.بالإستشارة أو التنفيذ التقني للقرارات والبرامج الحكومية، لتمكين الوزراء من الوفاء بإلتزاماتهم أمام أحزابهم و الناخبين .
يجب الإعتراف بكونهم يعانون من الهشاشة السياسة. وبالتالي وكما عشناه في تجارب سابقة .لا يستطيعون مسايرة “التنوعير” السياسي، و قد يسقطون في أول إختبار. و المراهنة على هؤلاء تظل مغامرة محفوفة بالمخاطرة ليس إلا.
النشاز يتجلى أبرز مشاهده من خلال وزارة الصناعة التي طبعها الوزير السابق مولاي حفيظ العلمي بديناميته ،والذي جعلته يحظى بإشادة خاصة من الجميع .مما دفع كل المتابعين للشأن السياسي للتساؤل، عن الخلفيات التي كانت سببا ً في عدم تجديد الثقة في هذا الوزير ! وذلك. حفاظاً على الرصيد من النجاح. أو على الأقل إختيار شخصية من حجم حفيظ العلمي ،من حيث التكوين و طريقة العمل والتفكير، لمواصلة دينامية العمل التي حققت تلك النتائج .
أليس من الغرابة ،أن يتم تقسيم تلك الوزارة الى أربعة قطاعات ؟بأربعة إشخاص ! لا يجمع بينهم شيء .إلا تسمية الوزيرة او الوزير .اليس هذا قمة تبخيس رصيد تلك الوزارة ؟
النشاز نجده كذلك في إختيار مصطفى باتياس، ناطق رسمي للحكومة ! و الذي يأتي لأول مرة من خارج وزارة الاتصال .هذا الوزير الذي غادر بالأمس مجال التدريس الإبتدائي، و ولج مجال وزارة الفلاحة كمستشار للوزير و مستشاره الشخصي في بعض الحالات .و يبقى أهم ما وصل إليه هو منصب مدير مقر حزب التجمع الوطني للأحرار بالرباط .و اليوم هو بالكاد محام فتي ! و حاصل على شي شهادة من لقاء ما بالرياض بالسعودية !
ترى هل أضحى حزب ” النخبة” يفتقر لهذه الدرجة للأطر وللكفاءات؟ هذا الإفتقار الذي نجد له تفسيرا في هجرة الكفاءات من الحزب لما وقفت على الكيفية التي يتم بها إنزال أشخاص غرباء بالمظلات على المكتب السياسي للحزب ،ليصبحوا في أول فرصة وزراء بلون هذا الاخير .و هذه هي السمة التي طبعت الحزب خلال العقدين الآخرين .بحيث تم بالأزرق السماوي طلاء عدد من الوافدين الجدد .ضداً في مناضلي الحزب .بدأً من صلاح الدين مزوار كرئيس أطاح بسلفه مصطفى المنصوري من خلال عملية محبوكة سميت حينها بالحركة التصحيحية.مروراً بياسر الزناكي، محمد بوسعيد ،أمينة بنخضرا ،نوال المتوكل،منصف بلخياط ، حفيظ العلمي، نادية فتاح العلوي، محمد بنشعبون. ناهيك عن الوافدات الجديدات.
غير أن المثير للاندهاش في مجال صباغة الوافدين بهذا بحزب الحمامة . حالة شكيب بن موسى،”. هذا الذي كان وزيرا للداخلية, و بعدها و مازال سفيرا للمملكة بأكبر سفارة للمغرب بالخارج و هي سفارتنا بباريس . متوجا مساره مكلفاً برئاسة اللجنة الخاصة المكلفة باعداد مشروع ملكي بإمتياز الا و هو ،النمودج التنموي الجديد .ها هو اليوم يرضى بحقيبة التعليم الأولي و الرياضة التي قد تؤول و لو خلف ظهره لكاتب دولة جديد .
و يبقى خير إنزال هو عزيز أخنوش نفسه ،الذي تم تقديمه سنة 2007 للإستوزار بإسم الحركة الشعبية. و سرعان ما تم إلحاقه بالأحرار، لما تم إبعاد الحركة من الائتلاف الحكومي حينها .و المضحك في هاته النازلة هو إستقالة عزيز أخنوش من حزب الأحرار، مباشرة عند خروج هذا الحزب للمعارضة ،وبقي هو ضمن تشكيلة حكومة بنكيران بدون أي انتماء سياسي ،ليعود إلى أحضان الحمامة مجددا بعد دخول الحزب التحالف الحكومة الذي تلى خروج حزب الاستقلال الى المعارضة سنة 2013.
حالة رشيد الطالبي العلمي الذي يجر وراءه سمعة كثير ما يقال بشأنها ، تبقى حالة جديرة بالوقوف عندها و هو الذي أنشأ موقعا الكترونيا ،يهم قطاع الشباب و التخييم بمبلغ 250 مليون سنتيم ،عندما كان وزيرا للشباب و الرياضة .و كذلك ما يُنسب عبر شركاته ،من تهرب ضريبي و بمبالغ كبيرة . اليوم يتم إنتخابه للمرة الثانية في مساره على رأس مجلس النواب .أي المرتبة الثانية، بعد جلالة الملك في هرم الدولة . و حالة ترؤسه للمرة الثانية لمجلس النواب .تعد الأولى في تاريخ المملكة.
النشاز نجده كذلك عند حزب الإستقلال ،الحزب المرجعي ،المحافظ و التاريخي بالبلاد .و الذي جاء في المرتبة الثالثة ، من حيث عدد المقاعد البرلمانية .و بسبب الضعف الذي أبان عنه أمينه العام نزار بركة ،لم يستطع الظفر سوى بأربعة حقائب وزارية.و رئاسة الغرفة الثانية .وهو الحزب الذي كان على الدوام يزخر بالأطر من المستوى العالي. و لا يشارك في أي حكومة إلا و له النصيب الأوفر من الحقائب . و لنا أن نتذكر كيف رفض محمد بوستة زعيم الحزب حينها ،الدخول في حكومة يشارك فيها ادريس البصري الرجل المقرب من الملك الحسن الثاني رحمة الله عليه .
تراكم النشاز ماذا أعطى ؟
و ماذا قد يعطي في المستقبل القريب جداً إذا ما صارت الأمور على نهج نفس العشوائية ؟
إعفاء نبيلة الرميلي من وزارة الصحة !
قيل أنها هي من طالبت بذلك. للتفرغ لرئاسة مجلس جماعة الدارالبيضاء !
هنا قمة العبث و الضحك على الدقون .هل لها و لغيرها من النساء و الرجال أن تطلب إعفائها من منصب يعينها فيه الملك ؟
ترى ألم يكن من اختارها للإستوزار قد أساء التقدير ؟ ألم يكن على دراية بمسؤولياتها كعمدة لأكبر مدن المملكة ؟
ألم يكن يعي ثقل المهام و صعوباتها ؟
من جانبها ألم يكن لها أن ترفض هذا المنصب قبل إحالة اسمها على الديوان الملكي؟ بناء على ما تدفع به اليوم ! كفى ! إنكم تستصغرون المواطن المغربي .
في هذا السياق ألم يبقى من المعقول و المنطقي أن تتخلى كل من فاطمة الزهراء المنصوري ،عن المنصب الوزاري لتتفرغ لتدبير بلدية مراكش. و معها عبد اللطيف وهبي لفائدة بلدية تارودانت. حتى يبقى كذلك منسجما عما ردده من قبل .كونه لن يقبل أن يكون وزيراً تحت إمرة عزيز أخنوش .
هذا الاخير يبقى النشاز الأعظم ، بجمعه بين رئاسة الحكومة، و رئاسة بلدية اكادير ليطرح سؤال كبير ، حول من سيؤول إليه مهام مراقبة أو محاسبة مالية بلدية أكادير .هل هي مفتشية وزارة الداخلية؟ أم مفتشية وزارة المالية ؟ و كلاهما قد يحتاجان لأمر من وزيريهما ،و اللذان يحتاجان بدورهما لأمر بالموافقة من رئيسهما، أي رئيس الحكومة. ترى بأي منطق سيعطي أمرا بمحاسبة نفسه !
إنه العبث في كل تجلياته . لكنه عبث بعنوان المرحلة، عبث تترجمه أسرع إقالة في التاريخ منذ استقلال المغرب. إقالة أو إستقالة وزيرة الصحة نبيلة الرميلي،تنطبق عليها مقولة أهل المدينة التي تنحدر منها الوزيرة المقالة مدينة وزان . الذين يصفون كل مرحلة تمر سريعة و بدون نتيجة . ” بسبعة أيام ديال الباكور دازت “هي التي لم تعمر كوزيرة إلا سبعة أيام فقط .كما تبقى هذه الإقالة في الحقيقة كضربة موجعة في صدر هذه الحكومة ،و قد تكون كبداية لما هو أعمق !
العبث نجده اليوم ،في الطلب الذي تقدم به رئيس الحكومة لجلالة الملك .من أجل إعفاء نبيلة الرميلي من منصبها بوزارة الصحة و تعويضها بالوزير السابق خالد اين الطالب . هنا نقف كذلك على نشاز آخر ،يكمن في كون خالد آيت الطالب دخل حكومة العثماني بلون آخر . اليوم نظراً لكون منصب وزارة الصحة و حسب توزيع كعكة الحقائب .يعود لحزب التجمع الوطني للأحرار. ترى هل سيتم طلاء خالد آيت الطالب كذلك باللون الأزرق؟
هذا طبعاً أمر سهل ،لكون برميل الطلاء ينضح على الدوام بباب مقر الحزب كعادته . و مرحبا بأي وافد …
لا داع للاستغراب، و لا لليأس. لأن بلدنا على الدوام يتفرد في كل شيء .
أليس هو أجمل بلد في العالم ؟
لكن يبقى السؤال الدائم يتردد .
هل سفينة وطني ،قد تبحر غداً ؟
أطرح هذا السؤال و أنا أردد كلمات الأخوين الرحباني، و من ألحانهما و أداء المطربة فيروز التي تقول :
هالسيارة مُشْ عَمْ تِمْشي
بَدْنا حَدا يَدْفِشْها دَفْشِه
يَحْكُو عن وَرْشِة تَصْليح
وما عرفنا وَيْنِ هي الورشة
بقلم : عبدالرحيم أطريجم الوزاني