خالد بكاري يكتب :تغيير النظام الجزائري هو مصلحة مغاربية
مهلا، لا علاقة للأمر بالمناوشات المستمرة منذ أكثر من سنة بين مغاربة وجزائريين، تختلف دوافع كل طرف (مع تسجيل حضور لافت للحسابات الوهمية عند الطرفين).
انتقدنا ولازلنا ننتقد، وسنظل نعارض النظام المغربي الذي لم يبد لحد الآن أي استعداد لدمقرطة الدولة، واحترام الحقوق والحريات.
ولكن هناك فرق بين نظام سلطوي (المغرب)، وبين نظام عسكري لكي يديم استمراره في التحكم في رقاب شعبه، مستعد لتوتير المنطقة المغاربية كلها، والوقوف المرضي في وجه أي شكل من أشكال التكامل الإقليمي.
ما جاء في بلاغ المجلس الأعلى للأمن في الجزائر هو دعوة “للحرب”، الحرب التي لن تقع طبعا. ولكن قد يكون مقدمة لإعلان إجراءات استثنائية داخلية فيما يشبه حالة طوارئ بالبلد تحت ستار مواجهة التهديد الخارجي الذي يحرك أدوات “الفتنة” داخليا.
صحيح أن الإعلام وبعض الخبراء المقربين من السلطة عندنا لطالما اتهموا جهات خارجية (أساسا الجزائرية) بالوقوف أو التورط في احداث معينة (20 فبراير، حراك الريف، معارضة الخارج،،،)، ولكن الأمر بقي في مستوى المناوشات الإعلامية (وحتى الإعلام الرسمي لم يكن يثير هذه الاتهامات)، وفي مستوى محاولات شيطنة حراك أو احتجاج أو شخصيات معارضة، حتى حين تمت إدانة عمر الراضي ظلما بالتخابر، لم تقدم السلطات المغربية اسم اي دولة اجنبية..
أقصى ما كانت تفعل السلطات المغربية هو اتهام منظمات غير حكومية كأمنستي بتشويه صورة المغرب الحقوقية، دون أن تربط امنيستي بخدمة اي دولة معادية للمغرب، وتترك امر تحديد هذه الدولة للإعلام القريب من جهات معينة أو لخبراء معروفين، وطبعا عمليات الربط تلك، لا تتبناها الجهات الرسمية علنا، لأنها مضحكة، كربط امنيستي ومراسلون بلا حدود بالعمالة للجزائر ،رغم أن تصفح موقع المنظمتين يبين علاقتهما المتوترة بنظام العسكر.
في الجزائر، وصلت الأمور حد توجيه اتهامات من اعلى مؤسسة تعبر حقيقة عن الدولة الجزائرية للمغرب، بالوقوف وراء حرائق منطقة القبايل، وتمويل وتجنيد حركتين متناقضتين حد العداء بينهما ،وهما رشاد والماك.
إن المتتبع لتصريحات المسؤولين الجزائريين منذ مدة كان يلحظ اهتماما غير مفهوم ب”مخططات” الماك، رغم أن الحركة تعيش استنزافا، وتراجعت انشطتها أثناء الحراك، بحيث أن منطقة القبايل كانت من المناطق التي كانت تعرف مشاركة كبيرة في الحراك (الذي يعني تزايد الاقتناع بمصلحة القبايليين في دولة ديموقراطية موحدة تحترم حقوق الجهات التاريخية، بالمقارنة مع سردية الاستقلال وإقامة الدولة).
إن العسكر الجزائري هو من يضخم من الماك، سعيا لإحداث توترات إثنية بالبلد، تخفف عليه الضغوط الديموقراطية، ولا يستبعد أنه وراء جريمة إحراق الشاب المتطوع، بحيث يقدم نفسه الضامن لوحدة البلد. وللأسف فإن خرجة “هلال” في الأمم المتحدة كانت هدية مجانية لنظام العسكر، فإذا كانت دون استشارة مسؤوليه فتلك طامة، وإذا كانت باستشارتهم فتلك “بوحدوزية” مثل عملية “اقتحام” سبتة .
أما حركة رشاد، فتلك قصة “مبهمة”، فرغم أنها تصر على إصدار ادبيات تتموقع في إطار ما يسمى ” المقاومة المدنية اللاعنفية”، التي كانت وراء ما سمي بالثورات الملونة في أوروبا الشرقية، وجزء من ثورات ربيع الشعوب في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، إلا أنها لا زالت تحتفظ بخطاب يحمل بقايا من تجارب الإسلام السياسي، وإن كان لا علاقة تنظيمية لها بالإخوان كما يروج النظام.
حركة رشاد التي كان من مؤسسيها مناضلون سابقون في “الفيس”، والذين كان اغلبهم محسوبا على التيار المعتدل، كانت نشطة في الخارج، خصوصا عبر ذراعها الحقوقية “منظمة الكرامة لحقوق الإنسان”، واستطاعت أن تؤمن فروعها في الولايات المتحدة وفرنسا وإنجلترا وسويسرا، وغيرها، وأن يتم قبولها كحركة مدنية معارضة في هذه البلدان.
لكن عبر نشاطها الإعلامي النشط والمتطور ، أصبحت تلعب ادوارا متصاعدة في الحراك الجزائري، وهو ما خلق تخوفات عند بعض تيارات وشخصيات الحراك نفسه، رغم كل التطمينات التي تقدمها.
الغرابة أن هجوم النظام الجزائري على رشاد يتم بنفس الطريقة التي يهاجم بها الإعلام الإماراتي الحركات القريبة من فكر الإخوان، لدرجة ان السلطة تتهم رشاد بخدمة الأجندة التركية، وتهاجم الماك بالعمالة لإسرائيل (الماك لا تخفي اعترافها بإسرائيل)، بمعنى تهاجم جهة بخدمة مشروع المحور القطري التركي، وتهاجم جهة بخدمة المشروع الصهيوني، دون أن تدرج الإمارات. وتلك علامة استفهام؟
يمكن أن نحل هذا التناقض، بالرجوع للحوار الأخير لتبون مع “لو بوان” الفرنسية، حيث أشار ضمنا إلى إمكانية تدخل الجزائر عسكريا في شمال مالي لتعويض الانسحاب الفرنسي، ومثنيا على ماكرون، ودوره في الأزمة الليبية.
العسكر الجزائري يريد أن يعيد تموقعه في التدخل عسكريا وامنيا واستراتيجيا في “حوضه”،(مالي، تونس، ليبيا)، ولذلك يفكر في التحالفات التي بنيت أثناء الأزمة الليبية (التحالف الإماراتي، الفرنسي)، مع السعي لإقامة توازن في علاقاته مع روسيا وأمريكا، والاستفادة من توتر علاقات المغرب بدول وازنة في الاتحاد الأوروبي، وحتى تحريك ورقة التطبيع المغربي الإسرائيلي فهو لأغراض داخلية أكثر منها فتح جبهة مع الدولة العبرية لتقديم نفسه بمظهر أنه مازال وفيا لتعاقداته المبدئية العلنية، وأنه يواجه مؤامرة صهيونية). وفي الآن نفسه يسعى لتطوير علاقاته مع الإمارات التي أصبحت بمثابة سمسار التطبيع. (يتفق الجزائريون والإماراتيون في المواقف من الأزمتين الليبية والتونسية، ولهما الموقف العدائي نفسه من كل الانتفاضات الشعبية بما فيها الحراك الجزائري).
ولست في حاجة للتذكير بموقفي الواضح في رفض التطبيع المغربي مع إسرائيل، وخصوصا بالسياق والطريقة التي جاء بها، وحتى بحسبان المكاسب والأرباح. ويكفي تصريح وزير الخارجية الإسرائيلي بالمغرب عن اشتراك البلدين في المخاوف من التقارب الإيراني الجزائري، وهو تصريح غير بريء، لا بالنظر لسياق الخلافات المغربية الجزائرية، ولا بالنظر إلى سياق الحوارات حول استئناف المباحثات بخصوص الملف النووي الإيراني، مما يعني توريطا مجانيا للمغرب على أرضه . (مازلت أعتبر أن تبادل الخدمات الأمنية والسياسية والعسكرية بين إسرائيل والإمارات، ومحاولة جر دول وحركات له يهدد الأمن الإقليمي والاستراتيجي لأي محاولات لبناء تكتلات إقليمية متكاملة وقوية)