الصحراوي بين الثوري و السلطان (1)
معركة أدشيرة التاريخية (13 يناير 1958):
تمهيد:
الاحداث التي سأسرد في هذه الرواية عن معركة ادشيرة سنة 1958، و أخرى متعلقة بحقبة الخمسينات سآتي على ذكرها لاحقا منقولة حرفيا عن والدي سلمة ولد سيدي مولود المزداد في الساقية الحمراء عام 1927 حيث ما زال يعيش الى يومنا هذا في مدينة السمارة. و قد كان من المجموعة الأولى من سكان الساقية الحمراء الذين انخرطوا في جيش التحرير المغربي منتصف 1956، و من قادته الميدانيين الذين عايشوا كل مراحله في الصحراء من التجميع الى التفكيك. إضافة الى بعض المصادر الاسبانية.
الاسباب (إعتداء لمسييد):
بعد تمركز وحدات جيش التحرير في الساقية الحمراء ووادي الذهب خاصة الرحى التاسعة بمنطقة تافودارت جنوب شرق العيون و الثامنة قرب روضة سيداحمد لعروسي شمال السمارة) منتصف سنة 1957، وجدت اسبانيا نفسها مضطرة لتركيز قواتها في مناطق السواحل التي يسهل الدفاع عنها.
و بحلول شهر سبتمبر 1957 كانت القوات الاسبانية قد اخلت قواتها من جميع المناطق الداخلية و اصبح تواجدها منحصر في السواحل ( طرفاية، العيون، بوجدور، الداخلة و لكويرة).
الاحتكاك الأول
27 اكتوبر 1957 كانت طائرة استطلاع اسبانية تقوم بمهمة مراقبة روتينية في منطقة الساقية الحمراء، لما تعرضت لاطلاق نار فوق منطقة تافودارت حيث يتواجد مقر الرحى التاسعة لجيش التحرير. و تعرضت لعطب اضطرها للعودة الى العيون. وفي اليوم التالي عادت طائرات حربية لنفس المكان للرد عاى العملية و لكنها لم تجد أحدا. فقد فاض وادي الساقية الحمراء و اضطر المقاومون الى تغيير مواقعهم.
التصادم:
مساء يوم 22 ديسمبر 1957 وصل الى مركز الرحى التاسعة بتافودارت قائد الطليعة التي كانت تحرس منطقة لمسييد و هو في حالة جد سيئة و قد كان قطع مسافة 25 كلم على رجليه بعد ان هاجمت قوة إسبانية على حين غرة مجموعة طليعته و استشهد أغلبيتهم و كانوا (12) مقاوما من قبيلة أيت لحسن.
.
التحضير:
اتخذت قيادة الرحى في تافودارت التي كان يشرف عليها الرائد صالح بنعسو الملقب بصالح الجزائري قرارا بالرد على عملية لمسييد بضرب القوات الاسبانية المتمركزة في العيون.
و كان عناصر “الرحى” متفرقين في عدة مناطق بمحيط العيون منذ أشهر و لا يتواجد بالمقر العام إلا القليل في حدود ال 50 مقاوم.
فاتفق أن يبعث رسل الى جميع الوحدات لتجتمع مساء الغد عند “اكرارة تَسلْبَة” جنوب شرق العيون. على ان يكون “لمسييد” هو مقر التجميع الجديد. و تنطلق مجموعة المقاومين المتواجدة بالمقر في تافودارت إلى مكان الهجوم الاسباني في لمسييد تتفقده و تدفن الشهداء.
و تصادف انه في مساء ذلك اليوم وصل راعي جمال المقاومين و معه ثلاثون جملا من المرعى في منطقة “لَحدَبْ” جنوب العيون. ما سهل من تحرك المقاومين.
انطلقت ال 30 جمل بأغلبية المقاومين المتواجدين بالمقر العام للرحى في نفس المساء في اتجاه لمسييد بقيادة كل من قائد المئة محمود ولد بريه من الرقيبات اسواعد و نائب قائد المئة سلمة ولد سيدي مولود من الرقيبات البيهات. و بعد المغرب وصلوا لموقع الهجوم الاسباني على مجموعة لمسيد و لكنهم لم يعثروا على جثامين الشهداء و لا أمتعتهم و لم يعرفوا ما فعل بهم الاسبان.
باتت المجموعة في ذلك المكان تلك الليلة. و في الصباح وجدوا راعيا في الارجاء أخذوه خشية من ان يكشف تحركاتهم و لكي يدلهم الى “اكرارة تسلبة” المتفق عليه مع بقية المجموعات.
بعد مغرب الليلة التالية أخذ سلمة ولد سيدي مولود الراعي ليدله على “اكرارة تسلبة”، التي وصلاها في ساعة من الليل. و لم يطل انتظارهم حتى وصلت طلائع المجموعات و كانت كل مجموعة تعرف عن نفسها بكلمة سر متفق عليها. قبل ان يقفلوا راجعين الى لمسييد الذي تجمعت فيه كامل قوة الرحى حوالي 400 مقاوم ( 8 فرق):
– 5 فرق من قبيلة الرقيبات بقيادة كل من:
1- سلمة ولد سيدي مولود (الرقيبات-البيهات)
2- الحسين ولد خطاري ولد كركب (الرقيبات- الفقرة)
3- الصالح ولد امحيميدة (الرقيبات-العيايشة)
4- الشيخ ولد احمدناه (الرقيبات-السواعد)
5- دحان ولد فراجي (الرقيبات-اولاد طالب)
– فرقتان من قبائل تكنة بقيادة كل من:
6- محمد ولد خر (تكنة-ازرقيين)
7- أبنية ولد محمد سالم (تكنة-أيت لحسن)
– فرقة أولاد ادليم و قبائل الجنوب بقيادة:
8- محمد الغالي ولد اخطور
تقرر ان تنقسم قوة الرحى الى مجموعتين فتوافق قادة الرقيبات على دعم فرق القبائل الاخرى بفرقة دحان ولد فراجي و كانت من اقوى فرقهم ليحصل التوازن بين
المجموعتين ( أربع فرق في كل مجموعة):
-الاولى تكونت من الفرق (1, 2, 3, 4).
-الثانية تكونت من الفرق (5, 6, 7, 8).
على ان تتمركز إحدى المجموعات في ضفة وادي الساقية الحمراء الشمالية و الثانية في الضفة الجنوبية.
و لأن الجهة الجنوبية هي التي يمر منها الطريق الذي يستخدمه النصارى وقع تململ بين المجموعات أيهم سيكون في الجهة الشمالية من الوادي الاقل خطرا. فاقترح “سعيد ولد البلال ولد الباد” و كان نائب اتصال في مجموعته على الرقيبات بما انهم هم الاكثرية ان يعطوا للمجموعة الثانية الخيار في الجهة التي تريد التمركز بها. فاختارت المجموعة الثانية جهة الشمال.
الخطة:
صباح يوم 12 يناير وصلت الاوامر من قائد الرحى الرائد صالح بنعسو بأنه توصل بمدفع ثقيل ( مورتر) و انه سيقصف العيون تلك الليلة من على تلة “أخْويْ أنْتَيفَة” الواقعة شمال شرق العيون على ضفة وادي الساقية الشمالية. و على المجموعات ان تقترب من العيون لأقرب مسافة ممكنة و تطلق ما أمكن من الأعيرة النارية تجاهها و تنسحب الى لمسييد دون ان تشتبك مع الاسبان تفاديا للخسائر بين المقاومين و لاستدراج الجنود الاسبان الذين تجمعت غالبية قواتهم في العيون، و تعززت بفيالق جديدة قادمة من اسبانيا بعد عمليات سيدي إيفني التي انطلقت في ال 23 نوفمبر. و شيدت تحصينات في محيط المدينة على مسافة 4 كيلومترات.
…..يتبع……
#مصطفى_سلمى