الصحراوي بين الثائر و السلطان (2)
معركة ادشيرة
المرحلة الاولى من المعركة (قصف العيون):
عشاء يوم ( 12 يناير 1958) أطلق القائد صالح بنعسو ثلاث قذائف في اتجاه العيون سقطت واحدة في شطيب (ضفة) واد الساقية الجنوبية و الثانية في وسط الوادي و الثالثة في شطيب (ضفة) الوادي الشمالية. تلاها اطلاق نار كثيف من المجموعات ثم الانسحاب الى لمسييد تحت نيران المدافع و الرشاشات الاسبانية التي ردت على الهجوم طوال الليل رغم ان المقاومين انسحبوا في وقت مبكر.
المرحلة الثانية من المعركة (معركة أدشيرة):
بالنسبة للمقاومين: كان الهدف الرئيسي من قصف العيون هو استدراج الجنود الاسبان للخروج من تمركزاتهم لتسهل مواجهتهم. و قد نجحت الخطة كما كان مخططا له. و بعد انسحابهم تلك الليلة عادوا للتمركز قرب “كرارة ادشيرة” بنفس التشكيل على جنبي وادي الساقية الحمراء.
بالنسبة للإسبان: عملية تمشيط عقب القصف الذي تعرضت له مدينة العيون الليلة الماضية و لم يخلف ضحايا.
المعركة:
1- الرواية الاسبانية:
انطلقت القوة الاسبانية المحمولة على متن 32 شاحنة و سيارة من مدينة العيون عند الساعة السابعة و النصف من صباح يوم 13 يناير. بقيادة قاىد اللواء الثالث عشر ريفاس نادال و كانت موزعة على النحو التالي:
.1-الفرقة الثانية (بقيادة النقيب Agustín Jáuregui) في الطليعة. و قد تم تقسيمها إلى قسمين:
مجموعة المقدمة (الاستطلاع) محمولة على سيارات الجيب، بقيادة الملازم (أرتورو مارتن جامبورينو).
والجزء الأكبر من الوحدة محمول في شاحنات ال”فورد” مع بقية القوات.
2 – السرية الثالثة (بقيادة الملازم فرانسيسكو جوميز فيزكاينو). مهمتها حماية الجناح الأيمن للعملية والتقدم على طول الحافة اليمنى للساقية.
3-السرية الأولى (بقيادة النقيب خيرون ماينار). احتياطياً على شاحنات Ford K ومسؤول عن حراسة الجناح الشرقي.
4- السرية الخامسة مكونة من فصيلة من مدافع رشاشة و فصيلة مدافع هاون 81 بقيادة الملازم أول إسماعيل باركو. مهمتها تقديم الدعم و الاسناد.
و بعد ثلاث ساعات من مغادرة العيون بدأت محنة الفيلق. ففي الساعة العاشرة والربع صباحًا ، تلقت سرية Jáuregui الثانية أولى طلقات العدو من أعلى ضفة الوادي، حوالي 2 كم قبل Edchera.
أمر القائد ريفاس نادال سرية الطليعة بالتقدم للاشتباك مع العدو وتحييده.
حاول رجال الملازم غامبينو تحقيق هذا الهدف فتقدموا بسياراتهم نحو المسلحين. و تعرضوا لنيران شديدة للغاية أوقفت سياراتهم المتقدمة في مساراتها. و قتل الملازم وسائقه و قفز بقية جنود السرية من السيارات وانتشروا.
تقدم الكابتن Jáuregui مع قسم من الفرقة الثانية ليرى ما إذا كان هناك عدو في أسفل الوادي ولرؤية إمكانية قطع انسحابهم، فتعرض لإطلاق النار.
و بينما كانت بقية الشاحنات تدور باتجاه موازٍ للوادي ، على بعد 300 متر من الحافة. تلقوا وابل من النيران و وقعت أولى الإصابات بينهم حتى قبل قفز الجنود من المركبات.
على الفور ، انتشر الفيلق و تقدموا عبر منطقة مليئة بالتلال الصغيرة والعديد من الشجيرات، شكلت مواقع ممتازة للمتمردين في هجومهم ضد الفيلق ، الذي تعرض لإطلاق نار كثيف أسفر عن مزيد من الضحايا.
أمر النقيب خوريخوي الفرقة الثانية بالبدء في تفريغ الخراطيش على العدو لإجباره على الاختباء و التراجع ليسمح لجنوده المكشوفين بالتقدم دون خطر.
النقيب خوريخوي مدفوعًا بروح عدوانية هائلة، و طعم الانتصار السابق في معركة لمسييد ما زال في فمه. و في محاولة منه منع الانسحاب المحتمل للخصم عبر الوادي إلى Tafudart ، واصل التقدم مع فيلقه.
تسببت هذه الحركة في وقوع إصابات جسيمة في كل من وحدته وفي القسم الآخر من الفرقة الذي يقوده الملازم أوتشوا ، الذي تركزت عليه نيران العدو.
يقول أبراهام غارسيا كوراليس أحد الناجين من معركة ادشيرة: تلك اللحظة أنا متأكد من أن الكابتن Jáuregui دخل المناطق الداخلية من Saguía لأنه اعتقد أنه سوف يمسك بهم من الخلف.
ليتبين أن ما بدا وكأنه مهمة روتينية قد تحول إلى قتال حقيقي حتى الموت. ليس فقط بسبب العدد الكبير من الأعداء (حوالي 500 حسب التقديرات) ، ولكن أيضًا بسبب المواقف الدفاعية الجيدة التي اتخذوها لمواجهة الفيلق. خاصة بعد دخول مجموعات كبيرة من الاعداء للمعركة قادمين من لمسييد.
ومع ذلك لم يتوقف القبطان واضطر إلى الاستمرار في قتال عنيف جدًا عن قرب مع نواة أحاطت بهم بعد التقدم بقليل.
بينما دافع Jáuregui ورجاله عن أنفسهم، كان بقية رجال الفرقة الثانية يواصلون دفاعهم بالدم والنار بعد تلقيهم تعزيزات من لواء فادريك الملحق بهذه السرية.
ثم أمرت القيادة السرية الثالثة بغزو الحافة الشرقية من Saguía. المهمة التي بدت بسيطة ، سرعان ما تحولت إلى جحيم أيضا عندما أوقفهم العدو ، كما حدث لرفاقهم.
و في رواية اللفتنانت جنرال: “عند وصول تعزيزات كبيرة للعدو تلقت قواتنا التي توغلت في مجرى الوادي نيرانًا كثيفة جدًا من العدو. و بعد ان أوقع المغاربة خسائر كبيرة في الفيلق ، انقضوا على الفرقة الثالثة.
«كان للفيلق الثالث عشر ضحايا كثيرون نزفوا حتى الموت في الشمس دون التمكن من العناية بهم. و لم يكن لدى فيالق السرية الثالثة ماء ولا ذخيرة تقريبًا. و أعطبت الشاحنة التي كانت تحمل المؤن على بعد 200 متر.
و بسبب الضغط الذي تعرضت له السرايا الثانية والثالثة أعطيت الأوامر لسريتين من الفرقة الأولى بتعزيز رفاقهما. كل هذا فيما أطلق الرجال المخصصون لقوات الدعم قذائف الهاون الخاصة بهم مرارًا وتكرارًا حتى نفدت الذخيرة. في ذلك اليوم. أطلقوا 324 قذيفة على مسافة 300 متر ، وهي أقل مسافة يمكن لأسلحتهم العمل عليها. ومع ذلك ، أصبح الوضع لا يمكن الدفاع عنه لدرجة أن أعطيت الأوامر للواء الرابع بمغادرة العيون لتعزيز رفاقه. و مساعدة رجال اللواء الثالث عشر لبدء الانسحاب.
وقعت أكثر المعارك دموية طوال اليوم في Saguía ، حيث أُجبر رجال Jáuregui على القتال بحراب ثابتة ضد أعداء لا حصر لهم حتى حلول الليل”.
رواية الوالد:
بعد قصف العيون الليلة الماضية، استغرق انسحابنا عدة ساعات. و بتنا قرب “كرارة ادشيرة” بنفس التشكيل الذي كنا عليه: مجموعة الرقيبات في الجهة الجنوبية من وادي الساقية و مجموعة القبائل الاخرى في الجهة الشمالية. و لم يحصل اي اتصال بيننا و بين قائد الرحى الذي انسحب بعد قصف البارحة الى المقر في تافودارت.
في الصباح تفاجأت المجموعة المتمركزة في الجهة الشمالية بقوات إسبانية كبيرة تقترب منهم. و قد كانوا في السابق يعتقدون ان جهتهم ستكون الأقل خطرا بحكم ان الطريق الذي يسلكه النصارى يقع في الجهة الجنوبية. لكن بسبب قصف المدفع البارحة من الجهة الشمالية ” اخوي انتيفة” ربما اعتقد الاسبان ان من هاجموهم جاؤوا من جهة الشمال.
في اللحظات الأولى لهجومهم على الجهة الجنوبية و بسبب عدم الاستعداد و الكثافة النارية للعدو أضطر أغلبية المجموعة الشمالية للتراجع الى عمق الوادي، بينما واصل البقية قتال النصارى الذين يحاولون التقدم.
لم تتأخر مجموعتنا المتكونة من اربعة فرق المتمركزة في الجهة الجنوبية في الالتحاق بالمجموعة الشمالية و الدخول في المعركة التي بدات تشتد.
كانت مواقعنا افضل من موقع النصارى. فقد كنا محميين في ضفة الوادي بينما كان النصارى في منطقة مكشوفة و يحاولون التقدم لاحتلال مواقع افضل و إبعادنا عن مواقعنا.
كانوا يتقدمون فوجا فوجا. و كلما نفذت ذخيرة فوج و كثرت فيه الاصابات يتراجع و يتقدم فوج آخر. و تلك هي طريقتهم في القتال أصلا. بينما كان كل واحد منا يقاتل لوحده دون ارتباط بقيادة.
في ذلك اليوم لم يكن الواحد منا يحتاج للتسديد حتى. فقد كان النصارى في مرأى أعيننا و مرمى بنادقنا و كانوا كثر بالقدر الذي يصعب معه ان تخطئ. و من حسن الحظ انه لم تكن تسندهم طائرات و لا مدرعات. فقد كان تسليحنا شبه متكافئ عدا انهم يملكون مدافع لكنها كانت محدودة التاثير. فإذا اقتربت يتعرض الرماة للقنص و إذا ابتعدوا يفقدون الفعالية.
كان النصارى مصرين على القتال على الرغم من انهم في موقع خطر. و لربما كانت تقديراتهم للموقف خاطئة أو انهم اعتقدوا أن ذخيرتنا ستنفذ خاصة انه ليست لدينا شاحنات و لا سيارات مثلهم لحمل المؤمن. و ادشيرة ليست مكان تمركز معتاد للمقاومة. و قد كان مع النصارى بعض المتعاونين قتل بعضهم في المعركة ذلك اليوم.
و لذلك لم يتوقف القتال حتى العاشرة ليلا تقريبا، بعد ان انسحب النصارى. و انسحبنا نحن أيضا نحو لمسييد.
…..يتبع….
مصطفى_سلمى#