الشرقاوي يكتب…درسان للديبلوماسية المغربية
قرابة اسبوع من الغزو الروسي لأوكرانيا كانت كافية لانهيار كل رومانسيات الأمم المتحدة وقيم السيادات الوطنية ومبادئ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول في المقابل وضعتنا هاته الأزمة أمام تمرين حقيقي للمفهوم الكلاسيكي للقوة في العلاقات الدولية، التي تعني ببساطة القدرة العسكرية لدولة على التأثير على قرارات سيادية لدولة اخرى وإخضاعها لإرادتها مهما كان السلوك متناقضا مع مفهوم عدم التدخل في الشؤون الداخلية وترنيمة حسن الجوار، لذلك فروسيا القوية عسكريا هي التي تفرض إرادتها وكلمتها وتسير الأمور كما تراها ووفقاً لمصالحها الخاصة، وسيستمر هذا الوضع، ما لم تواجه روسيا قوة مضادة وهو أمر مستبعد.
إن ما تعيشه أوكرانيا يلخص قصة كل دولة تضع ثقتها في قوى خارجية لا يهمها سوى مصالحها الاستراتيجية، فبعد حملات ديبلوماسية من الدعم الدولي لكييف، وتحريض الرئيس الأوكراني على الاستمرار في التحدي للدفاع عن خيارات بلاده، فجأة تخلى عنه الجميع مع إطلاق أول صاروخ روسي، او لنقل إنحاز الجميع للغة التنديد وفرض عقوبات مالية قد تؤتي أكلها وقد لا يكون لها أثر، لكن ظل الشعب الأوكراني ضحية جنون الحرب وما ستتمخض عنها من نتائج مأساوية.
الخلاصة أنه ليس هناك صداقة او تضامن او تعاون أوالتآخي في العلاقات بين الدول، هناك فقط صخور المصالح التي تتفتت عليها في أحيان كثيرة كل القيم الإنسانية، ولا شيء يعلو فوقها، لذاك وفي ظل هاته الحرب حول المصالح كان الموقف الديبلوماسي المغربي متوازنا وواقعيا بعيدا عن لغة الإنحياز الديبلوماسي حيث تجنب ان يكون طرفا في حرب ليست حربه، لكنه سجل موقفا ديبلوماسيا لمن يعنيه الأمر، حيث سارع إلى صياغة موقف مبدئي لا جدال فيه، يتلخّص في رفض استخدام القوّة في حلّ النزاعات الدولية، وإدانة التدخل العسكري من قبل كل دولة تقدم على هذا التصعيد، والتمسّك بالسلام والعمل على إشاعته، على مستوى الدولي والإقليمي.
بالنسبة لنا ثمة درسان في قضية الغزو الروسي لأوكرانيا، الأول، الصراع يدور حول وحدة الدول وسلامة أراضيها من التقسيم، وبلادنا ما زالت مسرحاً لهذا الصراع المفتعل في أقاليمنا الجنوبية، وتعيش وسط هذا النزاع منذ حوالي نصف قرن لذلك فدعم مبدأ وحدة الدول وعدم تفتتها واجبان جداً ويخدمان موقفنا الديبلوماسي. أما الدرس الثاني، فيتلخص ان لا نكون وجبةً صائغة على موائد توزيع الغنائم لدول أخرى، هذا لا يعني أن نتحلل من تحالفاتنا الاستراتيجية، لكن ان نعرف أين نضع أقدام التحالف ومع من نصنع تحالفاتنا؟ وكيف نحافظ على قوتنا بعيدا عن تحالفات مصطنعة؟.
بقلم الدكتور عمر الشرقاوي