الحركة الطلابية بالمغرب من تاريخ الصراع نحو تاريخ الحوار”
هناك من يرى أن الكتابة في موضوع الحركة الطلابية هي كتابة من باب الترف أو من باب مضيعة الوقت والجهد، لكننا إذ نكتب في هذا الموضوع فإننا لا نراه من هذه الزاوية أو بهذه النظرة الخاطئة بالتأكيد، لكوننا نعتبر الجامعة مركزا لإنتاج المعرفة والقيم وأيضا لتخريج النخب، وبالتالي هي فضاء لصناعة مستقبل الشعوب، فكيف إذا يكون الانشغال بمستقبل الشعوب والأوطان ترفا علميا أو مضيعة للوقت والجهد، وأيضا لأننا نعتبر أنه لا سبيل لتقدم الشعوب ونهضتها بدون جامعة حرة وعالمة.
وإنه في قلب نقاش الجامعة نجد نقاش الحركة الطلابية باعتبارها مكونا أساسيا من مكوناتها، فقد عُهد إليها الدفاع عن قضاياها وتأطير طلابها تأطيرا سياسيا وفكريا، ثقافيا ونقابيا، تأطير يتغيى أن تكون الحركة الطلابية صوت الشعوب للتحرر وسواعد الأمة للنهوض.
وإننا إذ نعطي للجامعة هذا الدور الاستراتيجي والمهم، وإذ نبوئ الحركة الطلابية هذه المكانة الرفيعة، فإن طرقنا باب الكتابة في هذا الموضوع سيكون لغاية مهمة وحاجة أهم، وعليه فالجامعة هي مستقبل الشعوب والأوطان والحركة الطلابية هي في قلب هذا المستقبل، وهي صوت هذه الشعوب وسواعدها من أجل التحرر والنهوض.
وإذ أننا سنخصص هذه المقالة لنقاش إشكاليات الحركة الطلابية المغربية، وسننطلق من الفرضية التي ترى أن الحركة الطلابية المغربية هي حركة مؤزمة ومأزومة (عوامل ذاتية وخارجية)، ونظرا لاعتبارنا أن أزمة الحركة الطلابية المغربية هي أزمة عقلية ومنهجية أو ما نسميه بأزمة العقل الحركي الطلابي المغربي، فإننا سنحاول جاهدين أن نشخص لأهم هاته الإشكالات العقلية المنهجية التي تعاني منها الحركة الطلابية المغربية، معتقدين أنه لا سبيل إلى معالجة سلوكات الأزمة عندها إلا بحلحلة وخلخلة مقولات الأزمة في عقلها، الذي ساهم تاريخ الصراع في تشكيله بشكل أساسي ولم يكن لتاريخ الحوار الذي ميز بعض لحظات الحركة أي دور يذكر في تشكيل هذا العقل، مبتغين نقل الحركة الطلابية المغربية من تاريخ الصراع إلى تاريخ الحوار، بما نعتقد أنه مسؤولية علينا في الأثر، باعتبارنا أبناء للجامعة وأبناء للحركة الطلابية المغربية.
إن السمة الغالبة التي يمكن أن يوسم بها العقل الحركي الطلابي المغربي (مع بعض الاستثناءات) هي كونه “عقل الصراع و التعصب والسلبية”، وهاته الصفات هي التي تؤطر البنية العقلية للحركة الطلابية، وعليها تصدر كل المقولات والممارسات وحتى الشعارات التي تؤطر الفعل الطلابي المغربي، وعليها تنبني كل الإشكالات الأخرى التي سنعرضها تباعا في هذه المقالة.
إن أول إشكال يمكن أن يُنتجه “العقل الصراعي التعصبي السلبي” هو إشكال الأصولية بما هي نزعة إلى تقديس الذات وتعظيم الجماعة، وإعطاء القداسة لمقولاتها واجتهاداتها، واعتبارها الحق الوحيد والصواب الأوحد، وهذه النزعة في اعتقادي هي التي تأسست عليها رغبة أغلبة الفصائل الطلابية في احتكار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب وتسخيره من خدمة جماعة الطلاب إلى خدمة جماعة من الطلاب، مما يعبر عن رغبة في التحكم والسيطرة من التيار الوحيد والأوحد على الإطار الوحيد والأوحد.
وبما أن الاستئصالية بنت الأصولية فكان لزاما أن تولد في الجامعة المغربية حركة طلابية استئصالية شعارها أنا ولا أحد، وآثارها عشرات الإصابات والعاهات في صفوف الطلبة وما يقارب عشرة شهداء ماتوا بسبب فكرة الاستئصال والقضاء على المخالفين والسيطرة على الجامعة.
إن السيطرة والاستئصال هما منهجين يؤطران عقلية الدولة المستبدة، فالدولة المستبدة لضمان استمرارها تلجأ لاستئصال المخالفين والمعارضين والسيطرة على المجال الجغرافي والفضاء الاجتماعي وتأمين حدودها من الخطر الخارجي والسيطرة على مواطنيها من أجل الاستقرار الداخلي، وهذا هو منهج مكونات من الحركة الطلابية المغربية، لذلك فأنا أراها حركة تفكر بعقل الدولة المستبدة وتعتبر أسوار الجامعة حدود دولتها، وبالتالي فعليها أن تحمي حدودها من الخطر الخارجي المتمثل في التيارات المخالفة في المرجعية و التوجه، والمتمثلة أيضا في الدولة نفسها، وأيضا السيطرة على فضاء الجامعة لمواجهة أي فعل طلابي يمكن أن يشكل خطرا أو أن يعبر عن رأي يخالف رأي الجماعة الحاكمة، وهذا ليس غريبا على فكر الفصائل الطلابية المغربية إذا علمنا أن أغلبها يمثل مشاريع وتيارات تسعى للحكم ولبناء دولتها الراشدة وعدالتها الاجتماعية المنشودة، وتجعل من الجامعة محطة انطلاق قومتها وثورتها.
إن التفكير بهذه العقلية (عقلية الدولة) أنتج لنا إشكالية أخرى وهي إشكالية الصراع الأفقي أو تغليب الصراع الأفقي ( الطلابي الطلابي)، حيث انتقلت الحركة الطلابية خاصة بعد الحظر العملي على الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في بداية الثمانينات، من حركة متصارعة ضد قوى الاستبداد والقهر في المجتمع، إلى حركة متصارعة فيما بينها، فكثيرا ما ستجد في الجامعة المغربية حلقات نقاش لا تناقش أفكار أصحابها ولا تناقش ظلم واستبداد الدولة، بقدر ما ستجد حلقات صراع الديكة وحوار الطرشان، والتشهير بأخطاء الفصائل الأخرى – حسب تقدير الفصيل صاحب الحلقة- والضرب في اختياراتها وقناعاتها وتوجهاتها، وكأن الخطر الذي يواجه الجامعة والوطن هو الفصيل الآخر وليس خطر الاستبداد والسلطوية، وتهميش القوى الديمقراطية، وغياب مشاريع إصلاحية حقيقية لمنظومة التعليم في المغرب، مما جعل الدولة في راحة من أمرها مطمئنة إلى أن الحركة الطلابية المغربية هي أقل من أن تزعج منامها أو أن تقض مضجعها.
إن الصراع الأفقي الذي خاضته فصائل الحركة الطلابية في ما بينها خلال العقود الأربعة الأخيرة، وضع الحركة الطلابية في إشكال خطير وجعل منها حركة منصرفة عن أداء دورها وواجبها الحقيقيين، إذ أن الحركة الطلابية واقعة في إشكالية الانفصال، الانفصال أولا عن مجتمعها فهي حركة مسورة، وتسويرها من قبل الدولة وقبولها بهذا التسوير ( إشكالية القانونية التي تعاني منها كل المكونات ماعدا مكون واحد) جعلها خارج معركة البناء الديمقراطي ومفارقة للحظات تاريخية مر بها الوطن، أو حتى لا نكون سلبيين تجاه هذه الحركة سنقول أنها لم تكن في المستوى المطلوب عند هذه اللحظات، وهذا ما تعبر عنه بيانات هذه الفصائل التي لا تصدر إلا في بعض القضايا التي تحدث داخل الأسوار، أما خارج الأسوار ففي كثير من المحطات لم تعبر مجموعة من الفصائل عن مواقفها، اللهم بعض الاستثناءات التي تثبت القاعدة، والتي مثلها في غالب الأحيان المكون القانوني الذي استطاع أن يَكسر السور بقانونيته.
إن إشكال الانفصال عن المجتمع وعن معاركه من أجل الديمقراطية، في اعتقادنا يَنتج عن إشكال أكبر أسميه بإشكال استبداد التاريخ، ففي كثير من الأحيان عِوض أن يكون التاريخ دافعا للعطاء والتقدم، يصبح التاريخ نفسه كابحا لهذا العطاء وذاك التقدم، حينما نجعل منه مرجعية نهائية؛ وقمة ما يمكن أن يصل إليه العقل، وحينما نسقط في تمجيد بل حتى تقديس ذلك التاريخ وصانعيه، فيصبح التاريخ هو المحدد لفكرنا وسلوكنا عوض أن يكون من المحددات فقط، وهذا بالضبط ما وقعت فيه العديد من مكونات الحركة الطلابية التي لم تستطع الخروج من تاريخها، أو قل من تاريخها الذي صنعه جيل غير جيلها الآن، فالصراع الذي أطر أجيال الحركة الطلابية سابقا لا يزال نفسه الذي يؤطر الحركة اليوم، رغم تغير الواقع و من يصنع الواقع، فالحركة الطلابية اليوم ترث صراع ( أخطاء) جيل قبلها مفارق لها في الواقع ومفارق لها في الزمان، في غير مقدرة عن القيام بعملية نقد ذاتي لذلك التاريخ، لإخراج غثه من سمينه، والتحرك بأكثر واقية وفعالية، والانتفاضة على عقلية “هذا ما وجدنا عليه آبائنا وإنا على آثارهم لمقتدون” ، فنعطي للتاريخ حقه الذي يستحق دون إفراط ولا تفريط، من خلال تنسيب صوابيته، الشيء الذي سيقودنا أيضا إلى تنسيب قناعاتنا وسلوكنا وإخضاعهما لثنائية الصواب والخطأ التي تميز الإنسان وحركة الإنسان.
إن هذا التاريخ نفسه، الذي اُنتج في لحظات سياسية معينة، ساد فيها منطق الحزب الواحد والفكر الواحد والحق الأوحد، -هو الذي أنتج لنا- أزمة الواحد الأوحد، وهي الأزمة التي لا تزال لحدود اليوم مغلفة للعقل الحركي الطلابي المغربي، حارمة إياه من استنشاق نسمات التعدد والتنوع والاختلاف، فبمنطق الواحد الأوحد ضُيق على الاختلاف، وتم قمع من نادى بحقه في التعدد النقابي أو التعدد الفكري، من خلال استغلال مقولات الرجعية والظلامية والشوفينية وتكسير الصف وغيرها. وهو التاريخ نفسه الذي تميز خلال العقود الأربعة الأخيرة بسيمة الاحتجاج الصرف بأفق “خبزي حاف” من أبعاد الديمقراطية وخال من أبعاد التحرر والنهوض.
إن قمة ما يمكن أن يصل إليه “العقل الصراعي السلبي التعصبي” الذي يميز فصائل الحركة الطلابية، هو أنانية الجماعة، حيث غدت هذه الأنانية هي المحرك الوحيد للتصرفات تجاه الجماعة، وتجاه غير الجماعة، فهي التي توجب الولاء التام للجماعة والصراع التام ضد من فارق الجماعة أو لم يدخل في كنفها، ففي ظل هذه العقلية تصبح الجماعة هي مركز الوجود وعليها يدور العالم، فهي المحدد لكل العلاقات والقناعات وحتى التصرفات.
إن الغاية من هذه الأسطر لن تكون أبدا متجلية في كشف عورات الحركة الطلابية أو نقض أركانها، وتبيين إشكالاتها العقلية والمنهجية، فمن أعطى للحركة الطلابية دور التأطير والبناء، ومن جعلها سندا للشعوب في معاركه من أجل الكرامة والديمقراطية، لا يمكن إلا أن تكون غايته هي ممارسة نوع من النقد الذاتي، قد يكون حادا لكنه غيور أيضا، فالغاية كما سبق وأشرنا هي نقل الحركة من تاريخ الصراع إلى تاريخ الحوار ثم تاريخ البناء، والغاية أيضا هي تصويب المسار وتسديد التوجه نحو الدور الحقيقي المنوط بالشباب الجامعي، المتحمس والمثقف.
في اعتقادنا أن الانتقال من تاريخ الصراع نحو تاريخ الحوار، يحتاج من العقل الحركي الطلابي عدة نقلات نوعية في بنية ومنهج تفكيره، سأوردها باختصار أرجو ألا يخل بالمعنى و القصد.
التاريخ: إن أول إشكالية ينبغي أن يعالجها العقل الحركي الطلابي هي إشكالية التاريخ، من خلال رفع القداسة عن الماضي “المجيد” للحركة الطلابية المغربية، ورفع هذه القداسة (أقصد القداسة على المستوى العملي وليس على المستوى النظري) عن التاريخ سيفضي إلى فرص أرحب للعمل، فمن ناحية ستقدر الحركة أن تتجاوز أخطاء الماضي عوض البقاء غارقة فيها، وستكون الاستفادة من التاريخ أكثر صوابا، لأن التاريخ لا يفيد فقط في جانبه الإيجابي بل يفيد أيضا – وأكثر- في جانبه السلبي، فمعرفة الأخطاء وتجاوزها لهو أكبر منفعة من التاريخ، وسيتيح لنا رفع القداسة أيضا مجالات أرحب للإبداع والتجديد وتسطير مسار جديد للحركة الطلابية قد يكون أكثر نفعا لها وللجامعة، لذلك على العقل الحركي أن ينتقل من “التاريخ المحدِد إلى التاريخ المساعد”.
الأنانية: إن التعامل الموضوعي مع التاريخ باعتباره مساعدا لا محددا، سيسهل علينا تجاوز الكثير من إشكالات العقل الحركي الأخرى، ومنها إشكالية أنانية الجماعة، فالحركة اليوم وجب عليها الانتقال من أنانية الجماعة إلى الأنانية الجامعية، أي إلى أنانية تجعل الجامعة فوق الجماعة، ومصلحة الجامعة أعلى من مصلحة الجماعة، والسمو بالأنانية الجامعية إلى الأنانية الوطنية، حتى يصبح الوطن وقضاياه ومصالحه غاية الحركة، وهذا لا يعني التخلص من أنانية الجماعة لكن وجب وضعها في حجمها وفي الرتبة التي تستحقها.
الصراع: إن الانتقال من أنانية الجماعة إلى الأنانية الجامعية والوطنية، سيجعل الحركة الطلابية تفكر من جديد في أولويات صراعها أو تدافعها، حيث وجب على الحركة “الكف” عن الصراع الأفقي والانتقال من منطق الصراع إلى منطق التعاون والتعايش الطلابي الطلابي، والسمو بالصراع إلى مواجهة قوى الفساد والاستبداد والاستغلال لثروات الشعب ومقدراته، إلى صراع وتدافع من أجل كرامة ودمقراطية الوطن، وصراع ضد من لا يريد أن تكون الجامعة فضاء للعلم والمعرفة والحوار، إن الغاية هنا هي الانتقال من الصراع الأفقي إلى الصراع العمودي.
الدولة المستبدة: إن التفكير بعقل الدولة المستبدة كما سبقت الإشارة يقتضي السيطرة والاستئصال و الصراع من أجل البقاء، ولا أظن أن الحركة الطلابية وفصائلها خلقت من أجل هذا، إن من خلق لكي يحارب الاستبداد لا ينبغي أن يتخلق بأخلاق الاستبداد، ولذلك ينبغي أن تفكر الحركة بعقل المجتمع لا بعقل الدولة، لأن التفكير بعقل المجتمع يتيح فرصا للتضامن والتعاون والحوار البناء، إن التفكير بهذا العقل يقتضي الانتقال من التفكير في البقاء إلى التفكير في العطاء الذي يضمن البقاء، إذ أن الضامن لبقاء فصائل الحركة الطلابية، هو عطاؤهم لأجل الجامعة ونضالهم لأجل الوطن، ولا شيء آخر.
الاحتجاج: إذا كان الاحتجاج هو السمة التي ميزت مسار الحركة الطلابية منذ عقود، حتى أصبح محددا من محددات الهوية عندها، أرى اليوم أنه وجب – لن أقول الانتقال هنا- المزاوجة بين الاحتجاج والإنتاج، فإذا كان طبع الشباب هو الاحتجاج فطبع الجامعة هو الإنتاج، والمقصود بالإنتاج هنا، هو تقديم المقترحات والرؤى، من أجل إصلاح التعليم وتجاوز أعطابه، ومن أجل دمقرطة المغرب وتجاوز آفاته، فالاحتجاج لا يكفي لكي نعبر عن ذواتنا، إذ لا بد حتى يكتمل التعبير ويكون في أبهى صوره من الإنتاج.
الواحد الأوحد: إن رفع مقولة الإطار الواحد أو الوحيد، جاء كما سبقت الإشارة إليه في سياق انتشار فكر معين ميزته مقولة الوحيد في سياق سياسي خاص ميز مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ومرحلة ما عرف في التاريخ بالحرب الباردة، أما مقولة الأوحد، فجاءت في سياق مواجهة التيار الشيوعي للتيار الإسلامي الذي بدأ يصعد نجمه في بداية سبعينيات القرن الماضي، كرد على مقولة الله الواحد الأحد، وإننا نرى، أنه لا السياق الأول الذي أنتجت فيه مقولة الوحيد لا زال حاكما لعالمنا وواقعنا اليوم، ولا السياق الثاني ما زال قائما اليوم، فالصراع بين التيار الإسلامي واليسار في العالم اليوم أخذ أوجها مختلفة عن الماضي، فكلا السياقين انتهى زمانهما، وهذا يوجب أيضا انتهاء المقولات التي أنتجت في ذلكم السياق، ومنها مقولة الإطار الواحد الأوحد، التي حرمت وفوتت على الحركة الطلابية ملامسة إيجابيات التعددية الخلاقة والمتفاعلة، المنتجة للاجتهاد في الإبداع والتنافس الديمقراطي، التي يميز اليوم كل الأنظمة الديمقراطية، وأيضا فإن تجاوز مقولة الواحد الأوحد هو تجاوز لنزعة استبدادية تتجلى ظاهرة في الإيمان بهذه المقولة، وتجاوز مقولة الواحد الأوحد قد ينتج للحركة أيضا حل إشكالية أزمة الإطار التي عانت منها الحركة الطلابية بعد الحظر، إن الانتقال اليوم من مقولة الإطار الواحد الأوحد إلى مقولة الإطار المناسب الأنسب، هو ضروري من أجل تعددية خلاقة، ومن أجل إيجاد الحل الأنسب لأزمة الإطار، والاشتغال في ظل تعددية ديمقراطية حوارية مبدعة ومفيدة للجامعة المغربية.
التسَّوُّر: إن القفز على السور والخروج إلى النور، لهو من واجبات الحركة الطلابية المغربية، فمعركة الجامعة هي جزء فقط من المعركة الوطنية، وإن انسحاب الحركة الطلابية من المعركة الديمقراطية في الوطن، قد يفوت على الوطن مكاسب عدة، فالحركة الطلابية هي حركة نعتقد أنها قوية في الاحتجاج ومبدعة في الإنتاج، وإن دورها الحقيقي هي أن تكون في صلب معارك المجتمع المجابهة للفساد والاستبداد، والمتطلعة للعدل والديمقراطية والكرامة.
إن هذا المقال لا يدعي الوقوف على كل الإشكالات التي تعاني منها الحركة الطلابية المغربة، فهو يبتغي الوقوف على الإشكالات الذهنية التي تؤسس للسلوك، ولا يدعي أيضا الكشف عنها جميعها، فبالتأكيد أن كاتب المقال هو قاصر على أن يدعي الإحاطة، وليست الغاية منه هو إظهار سوءة الحركة الطلابية، فكيف يظهر السوءة من كان مصاب باللوعة تجاه الحركة الطلابية، إن الغاية الحقيقة من هذا المقال هي تحويل العقل الحركي الطلابي المغربي من “عقل الصراع والسلبية والتعصب” إلى “عقل الحوار والإبداع والإيجابية”، وبالتالي نقل الحركة الطلابية من تاريخ الصراع إلى تاريخ الحوار والإبداع، فهذا المقال هو جهد مقل وهو نتاج قراءات وحوارات ونقاشات مع من يشاركوننا هَم الجامعة وهَم الحركة الطلابية وبالتأكيد هَم الوطن، وليست كل الأفكار هي نتاج عقلنا، فالكثير منها جاء من خلال هذه النقاشات والتساؤلات المشتركة مع أولئك الأصدقاء.
إن مسؤوليتنا في الأثر تقتضي منا طرح سؤال جوهري، وهو كيف سيترك الجيل الحالي للحركة الطلابية، هذه الحركة للأجيال اللاحقة؟ وانطلاقا من هذا السؤال وجب على كل الفاعلين من أبناء الحركة اليوم، أن يقوموا بما هو لائق حتى يورثوا ما ينفع للقادمين، وحتى لا نورث للأجيال القادمة صراعا لا ناقة لهم فيه ولا جمل
بقلم عبد الغفور الصالحي